فصل: هبة المشاع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


شَوْرة

التّعريف

1 - الشّورة في اللّغة‏:‏ الحسن والجمال، والهيئة، واللّباس‏.‏ وقيل‏:‏ الشُّورة بالضّمّ‏:‏ الهيئة والجمال، والشَّورة بالفتح‏:‏ اللّباس، ففي الحديث‏:‏ » أنّه أقبل رجل وعليه شورة حسنة «‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ الشُّورة بالضّمّ‏:‏ الجمال والحسن، كأنّه من الشّور وهو عرض الشّيء وإظهاره‏.‏ ويقال لها أيضاً‏:‏ الشّارة وهي الهيئة، وفي حديث ابن اللّتبيّة أنّه جاء بشوار كثير قال ابن الأثير‏:‏ الشّوار متاع البيت وفي الاصطلاح‏:‏ الشّورة متاع البيت، من فراش وغطاء، ولباس‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الجهاز‏:‏

2 - الجهاز هو‏:‏ ما تزفّ به المرأة إلى بيت الزّوجيّة من متاع، أو يملّكها إيّاه زوجها‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - يجب للزّوجة على زوجها كلّ ما تقوم به حياة الإنسان‏:‏ من نفقة، وكسوة، وسائر ما يحتاج إليه الإنسان في حياته من المتاع‏:‏ كالفراش، والغطاء، وسائر الأدوات الّتي تحتاج إليها‏:‏ كآلة الطّحن، والطّبخ كالقدر، وآنية الشّرب، وغير ذلك ممّا لا يستغني عنه الإنسان، وهو ما عبّر عنه المالكيّة بالشّورة‏.‏ وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

والآية في الرّزق والكسوة، ويقاس عليهما ما يحتاج إليه من المتاع‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

انتفاع الزّوج بشورة زوجته

4 - قال جمهور الفقهاء‏:‏ ليس للزّوج الانتفاع بما تملكه الزّوجة من متاع كالفراش، والأواني، وغيرها بغير رضاها، سواء ملّكها إيّاه هو، أم ملكته من طريق آخر، وسواء قبضت الصّداق، أم لم تقبضه‏.‏

ولها حقّ التّصرّف فيما تملكه بما أحبّت من الصّدقة، والهبة، والمعاوضة، ما لم يعد ذلك عليها بضرر‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن قبضت الزّوجة صداقها فللزّوج التّمتّع بشورتها فيلبس من الثّياب ما يجوز له لبسه، وله النّوم على فراشها، والانتفاع بسائر الأدوات الّتي تملكها، ولو بغير رضاها‏.‏ سواء تمتّع بالشّورة معها أو وحده وتمتّعه بشورتها حقّ له، فله منعها من التّصرّف بها بما يزيل الملك، كالمعاوضة، والهبة والصّدقة، لأنّ ذلك من شأنه أن يفوّت عليه حقّ التّمتّع بها‏.‏

أمّا إذا لم تقبض صداقها وإنّما تجهّزت من مالها فليس له عليها إلاّ الحجر عن التّصرّف بما يزيل الملك، فله أن يمنعها من بيعها، وهبتها، والتّصدّق بها، والتّبرّع بأكثر من الثّلث‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

شَوْط

انظر‏:‏ طواف، سعي

شَوَّال

التّعريف

1 - شوّال، ويقال‏:‏ الشّوَّال‏:‏ هو أحد شهور السّنة القمريّة العربيّة، الّذي يلي رمضان، وهو شهر عيد الفطر، وأوّل أشهر الحجّ المذكورة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ‏}‏‏.‏ الأحكام

المتعلّقة بشوّال

صيام السّتّ من شوّال

2 - ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ صيام ستّة أيّام من شوّال سنّة لحديث‏:‏ » من صام رمضان ثمّ أتبعه ستّاً من شوّال، كان كصيام الدّهر «‏.‏

وذهب آخرون إلى كراهة ذلك لئلاّ يلحق العامّة برمضان ما ليس منه‏.‏

وانظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم التّطوّع‏)‏‏.‏

ما تثبت به رؤية هلال شوّال

3 - يثبت هلال شوّال بإكمال عدّة رمضان، واختلف العلماء في ما يثبت به هلال شوّال بغير ذلك‏:‏

فذهب الأكثرون‏:‏ إلى أنّه لا يثبت بأقلّ من شاهدين عدلين، وقال آخرون‏:‏ يثبت بشهادة رجل وامرأتين، وقال البعض‏:‏ يثبت بشهادة رجل واحد‏.‏

وإذا كانت السّماء مصحيةً فقد رأى البعض أنّه لا بدّ من الرّؤية المستفيضة‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏رويّة الهلال‏)‏‏.‏

المنفرد برؤية هلال شوّال

4 - إذا انفرد واحد برؤية هلال شوّال، لم يجز له الفطر إلاّ أن يحصل له عذر يبيح الإفطار كالسّفر، أو المرض، أو الحيض، لحديث أبي هريرة يرفعه‏:‏ » الصّوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحّون «‏.‏

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الفطر يوم يفطر النّاس، والأضحى يوم يضحّي النّاس «‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ فإن أفطر فعليه قضاء اليوم بلا كفّارة، وإن كان الرّائي الإمام أو القاضي، لا يخرج إلى المصلّى، ولا يأمر النّاس بالخروج، ولا يفطر الرّائي سرّاً ولا جهراً‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ إن كان بمفازة ليس بقربه بلد وليس في جماعة‏:‏ يبني على يقين رؤيته فيفطر، لأنّه لا يتيقّن مخالفة الجماعة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا رأى شخص هلال شوّال وحده لزمه الفطر، ويندب أن يكون سرّاً لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » وأفطروا لرؤيته «‏.‏

شَيْب

انظر‏:‏ شعر، اختضاب

شَيْطَان

انظر‏:‏ جنّ

شُيُوع

التّعريف

1 - الشّيوع مصدر شاع - يقال‏:‏ شاع يشيع شيعاً، وشيعاناً وشيوعاً‏:‏ إذا ظهر وانتشر‏.‏

يقال‏:‏ شاع الخبر شيوعاً فهو شائع إذا‏:‏ ذاع، وانتشر، وأشاعه إشاعةً أطاره وأذاعه وأظهره‏.‏ وفي هذا قولهم‏:‏ نصيب فلان شائع في جميع الدّار، أي‏:‏ متّصل بكلّ جزء منها ومشاع فيها ليس بمقسوم‏.‏

ولا يخرج المعنى في اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الخلط‏:‏

2 - الخلط‏:‏ تداخل الأشياء بعضها في بعض، وقد يمكن التّمييز بعد ذلك كالحيوان، وقد لا يمكن كالمائعات فيكون مزجاً‏.‏

ب - الشّركة‏:‏

3 - وهي لغةً‏:‏ الاختلاط على الشّيوع، وشرعاً‏:‏ ثبوت الحقّ في الشّيء الواحد لشخصين فأكثر على وجه الشّيوع‏.‏ وعبّر عنها صاحب المغني بأنّها اجتماع في استحقاق أو تصرّف‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - أ - يحرم إشاعة أسرار المسلمين، وأمورهم الدّاخليّة ممّا يمسّ أمنهم واستقرارهم، حتّى لا يعلم الأعداء مواضع الضّعف فيهم، فيستغلّوها أو قوّتهم فيتحصّنوا منهم‏.‏

ب - كما يحرم إشاعة ما يمسّ أعراض النّاس وأسرارهم الخاصّة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ‏}‏‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏إشاعة، وإفشاء السّرّ‏)‏‏.‏

حكم ثبوت الجريمة بالشّيوع في النّاس

5 - إن شاع في النّاس‏:‏ أنّ فلاناً سرق متاع فلان، أو زنى بفلانة، لا يقام الحدّ عليه بمجرّد الشّيوع، بل لا بدّ من الإثبات على الوجه الشّرعيّ‏.‏

وينظر التّفصيل في‏:‏ ‏(‏حدود، وإثبات‏)‏‏.‏

الشّيوع في اللّوث

6 - قال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الشّيوع على ألسنة الخاصّة والعامّة، بأنّ فلاناً الّذي جهل قاتله، قتله فلان هو لوث، فيجوز لورثته أن يحلفوا أيمان القسامة على من قتل مورّثهم استناداً إلى شيوع ذلك على ألسنة النّاس‏.‏

بيع المشاع

7 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز بيع جزء مشاع في دار كالثّلث ونحوه، وبيع صاع من صبرة متساوية الأجزاء، وبيع عشرة أسهم من مائة سهم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع‏)‏‏.‏

قسمة المشاع

8 - يجب على الحاكم قسمة الملك المشاع بطلب الشّركاء، أو بطلب بعضهم، لأنّ كلّ واحد من الشّركاء منتفع قبل القسمة بنصيب غيره، فإذا طلب من الحاكم أن يمكّنه من الانتفاع بنصيبه، ويمنع الغير من الانتفاع به، يجب على الحاكم إجابة طلبه، إلاّ إذا بطلت المنفعة المقصودة في المقسوم بالقسمة‏.‏

فإن كانت المنفعة المقصودة منه تفوت بالقسمة، فلا يجاب طلبهم القسمة عند الجمهور، ولا يمكّنون من ذلك ولو تراضيا عليه إذا كانت المنفعة تبطل كلّيّةً، لأنّه سفه، وإتلاف مال بلا ضرورة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن اقتسموا بالتّراضي لا يمنع القاضي من ذلك، لأنّ القاضي لا يمنع من أقدم على إتلاف ماله بالحكم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قسمة‏)‏‏.‏

زكاة المشاع

9 - إذا ملك اثنان فأكثر من أهل الزّكاة نصاب مال ممّا تجب فيه الزّكاة ملكاً مشاعاً كأن ورثاه، أو اشترياه، زكّياه كرجل واحد عند الجمهور‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏خلطة، زكاة‏)‏‏.‏

رهن المشاع

10 - يصحّ رهن المشاع، من عقار وحيوان، كما يصحّ بيعه، وهبته، ووقفه، سواء كان الباقي للرّاهن أو لغيره، إذ لا ضرر على الشّريك، لأنّه يتعامل مع المرتهن كما كان يتعامل مع الرّاهن، وقبضه بقبض الجميع، فيكون بالتّخلية في غير المنقول، وبالنّقل في المنقول، وإلى هذا ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يصحّ رهن المشاع، لعدم كونه مميّزاً، وموجب الرّهن‏:‏ الحبس الدّائم ما بقي الدّين، وبالمشاع يفوت الدّوام، لأنّه لا بدّ من المهايأة فيصير كأنّه قال‏:‏ رهنتك يوماً دون يوم‏.‏ ولا فرق بين أن يكون الشّيوع مقارناً أو طارئاً، رهن من شريكه أو من غيره، لأنّ الشّريك يمسكه يوماً رهناً، ويوماً يستخدمه‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏رهن‏)‏‏.‏

هبة المشاع

11 - ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ إلى جواز هبة المشاع سواء في ذلك ما أمكن قسمته، وما لم يمكن قسمته، وسواء وهبه لشريكه أو لغيره‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يجوز هبة مشاع شيوعاً مقارناً للعقد فيما ينقسم ولأنّه ما من جزء من أجزاء المشاع إلاّ وللشّريك فيه ملك، فلا تصحّ هبته، لأنّ القبض الكامل غير ممكن، وقيل يجوز هبته لشريكه‏.‏ أمّا إذا كان المشاع غير قابل للقسمة، بحيث لا يبقى منتفعاً به إذا قسم تجوز هبته‏.‏ وانظر‏:‏ ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

إجارة المشاع

12 - يجوز إجارة المشاع للشّريك باتّفاق الفقهاء، أمّا إجارته لغير الشّريك فقد اختلف الفقهاء في صحّته‏:‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ إلى صحّة إجارة المشاع، وهو قول الصّاحبين - أبي يوسف ومحمّد-، ورواية عن أحمد، لأنّ الإجارة أحد نوعي البيع، فتجوز في المشاع، كما تجوز في بيع الأعيان، والمشاع مقدور التّسليم بالمهايأة، ولأنّه عقد في ملكه، يجوز مع شريكه فجاز مع غيره كالبيع، ولأنّه يجوز إذا فعله الشّريكان معاً فجاز لأحدهما فعله في نصيبه منفرداً كالبيع‏.‏

وقال أبو حنيفة وزفر، وهو القول الرّاجح عند الحنابلة‏:‏ لا تجوز إجارة المشاع، لأنّه لا يقدر على تسليمه فلم تصحّ إجارته كالمغصوب‏.‏

ولأنّه لا يقدر على تسليمه إلاّ بتسليم نصيب شريكه، ولا ولاية له على نصيب شريكه‏.‏

وانظر‏:‏ ‏(‏إجارة‏)‏‏.‏

وقف المشاع

13 - يجوز وقف المشاع عند المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفيّة لما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما -‏:‏ » أنّ عمر بن الخطّاب أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال‏:‏ يا رسول اللّه، إنّي أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قطّ أنفس عندي منه، فما تأمر به‏؟‏ قال‏:‏ إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها‏.‏ قال‏:‏ فتصدّق بها عمر « أنّه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدّق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرّقاب، وفي سبيل اللّه، وابن السّبيل، والضّيف‏.‏

ولأنّه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزاً فجاز عليه مشاعاً كالبيع، وكالعرصة يجوز بيعها فجاز وقفها كالمفرزة، ولأنّ الوقف تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، وهذا يحصل في المشاع كحصوله في المفرز‏.‏

وقال محمّد من الحنفيّة‏:‏ لا يصحّ وقف المشاع فيما يقبل القسمة، أمّا ما لا يقبل القسمة فيصحّ وقفه اتّفاقاً‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

الملك المشاع في عقار

14 - إذا ملك اثنان فأكثر عقاراً ملكاً مشاعاً، وباع أحدهما نصيبه لأجنبيّ، ثبت للآخر حقّ الشّفعة، وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

صَائِل

انظر‏:‏ ‏(‏صيال‏)‏‏.‏

صَابِئة

التّعريف

1 - الصّابئة لغةً‏:‏ جمع الصّابئ‏.‏

والصّابئ‏:‏ من خرج من دين إلى دين‏.‏ يقال‏:‏ صبأ فلان يصبأ‏:‏ إذا خرج من دينه، وتقول العرب‏:‏ صبأت النّجوم إذا طلعت‏.‏

وقد ورد ذكر الصّابئة في القرآن الكريم مع أهل الملل في ثلاثة مواضع، منها‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏‏.‏

2 - وقد اختلف العلماء في تعريف الصّابئة على أقوال هي‏:‏

أ - أنّهم قوم كانوا على دين نوح - عليه السلام - نقله الرّاغب في مفرداته‏.‏

ونقل ابن منظور عن اللّيث‏:‏ هم قوم يشبه دينهم دين النّصارى، إلاّ أنّ قبلتهم نحو مهبّ الجنوب، يزعمون أنّهم على دين نوح وهم كاذبون‏.‏

ونقل قريباً منه القرطبيّ عن الخليل‏.‏

ب - أنّهم صنف من النّصارى ألين منهم قولاً‏.‏ وهو مرويّ عن ابن عبّاس وبه قال أحمد في رواية‏.‏

ج - وقال السّدّيّ وإسحاق بن راهويه‏:‏ هم طائفة من أهل الكتاب لأنّهم يقرؤون الزّبور، وبه قال أبو حنيفة‏.‏

د - قال مجاهد والحسن وابن أبي نجيح‏:‏ هم قوم تركّب دينهم بين اليهوديّة والمجوسيّة‏.‏

هـ - وقيل‏:‏ هم بين اليهود والنّصارى‏.‏

و - وقال سعيد بن جبير‏:‏ هم قوم بين النّصارى والمجوس‏.‏

ز - وقال الحسن أيضاً وقتادة‏:‏ هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلّون إلى القبلة، ويقرؤون الزّبور، ويصلّون الخمس‏.‏ رآهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حين عرف أنّهم يعبدون الملائكة، ونقل القرطبيّ‏:‏ أنّهم موحّدون يعتقدون تأثير النّجوم‏.‏

ح - وقيل‏:‏ إنّهم قوم كانوا يقولون‏:‏ لا إله إلاّ اللّه، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبيّ‏.‏

ط - وقال الصّاحبان من الحنفيّة‏:‏ إنّهم ليسوا من أهل الكتاب، لأنّهم يعبدون الكواكب، وعابد الكوكب كعابد الوثن‏.‏

ي - وقال أحمد في رواية ثانية‏:‏ إنّهم قوم من اليهود، لأنّهم يسبتون‏.‏

مذاهب الفقهاء في حقيقة الصّابئة

اختلف الفقهاء في حقيقة دين الصّابئة أهم من أهل الكتاب أم لا، على أقوال‏:‏

3 - القول الأوّل‏:‏ أنّهم من أهل الكتاب، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد، وقد جعلهم أبو حنيفة من أهل الكتاب، لأنّهم يقرؤون الزّبور، ولا يعبدون الكواكب، ولكن يعظّمونها كتعظيم المسلمين للكعبة في الاستقبال إليها‏.‏

وأمّا أحمد فقال في رواية‏:‏ هم من النّصارى، لأنّهم يدينون بالإنجيل واستدلّ لذلك بما نقل عن ابن عبّاس، وقال في رواية أخرى‏:‏ هم من اليهود لأنّهم يسبتون، واستدلّ لذلك بما روي عن عمر أنّه قال‏:‏ إنّهم يسبتون‏.‏

القول الثّاني‏:‏ أنّهم ليسوا من أهل الكتاب‏.‏

قال القرطبيّ من المالكيّة‏:‏ الّذي تحصّل من مذهبهم فيما ذكره بعض علمائنا‏:‏ أنّهم موحّدون، يعتقدون تأثير النّجوم، وأنّها فعّالة، قال‏:‏ ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخريّ، القاهر باللّه بكفرهم، حين سأله عنهم، وهو قول أبي يوسف ومحمّد بن الحسن فيهم، لأنّهم يعبدون الكواكب، وعابد الكواكب كعابد الوثن‏.‏

4 - القول الثّالث‏:‏ وهو للشّافعيّة، فقد تردّدوا فيهم‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ المذهب أنّهم إن خالفوا النّصارى في أصل دينهم فليسوا منهم، وإلاّ فهم منهم‏.‏ قال‏:‏ وهكذا نصّ عليه - أي نصّ عليه الشّافعيّ -، وقيل‏:‏ فيهم قولان‏:‏ قال‏:‏ وهذا إذا لم يكفّرهم اليهود والنّصارى، فإن كفّروهم لم يقرّوا قطعاً‏.‏ أي‏:‏ لأنّهم لا يكونون من أهل الكتاب‏.‏ والمراد بأصل دينهم على ما في شرح المنهاج للمحلّيّ‏:‏ عيسى والإنجيل، وما عدا ذلك فروع، أي‏:‏ إن كانوا يتّبعون عيسى - عليه السلام - ويؤمنون بالإنجيل فهم من النّصارى ولو خالفوا النّصارى في الفروع، ما لم تكفّرهم النّصارى بالمخالفة في الفروع فإن كفّروهم فليسوا منهم‏.‏ وفي نهاية المحتاج‏:‏ لو خالفوا النّصارى في أصل دينهم ولو احتمالاً كأن نفوا الصّانع أو عبدوا كوكباً حرم نساؤهم علينا‏.‏

5- القول الرّابع‏:‏ أنّ الصّابئة فرقتان متميّزتان لا تدخل إحداهما في الأخرى وإن توافقتا في الاسم‏:‏

أ - الفرقة الأولى‏:‏ هم الصّابئة الحرّانيّون - وسمّاهم ابن النّديم والشّهرستاني‏:‏ الحرنانيين - وهم‏:‏ قوم أقدم من النّصارى كانوا في زمن إبراهيم - عليه السلام - يعبدون الكواكب السّبعة، ويضيفون التّأثير إليها، ويزعمون أنّ الفلك حيّ ناطق‏.‏

قال الجصّاص من الحنفيّة‏:‏ وهذه الفرقة تسمّت بالصّابئة، وهم الفلاسفة الحرّانيّون الّذين بناحية حرّان، وهم عبدة أوثان، ولا ينتمون إلى أحد من الأنبياء، ولا ينتحلون شيئاً من كتب اللّه، فهؤلاء ليسوا أهل كتاب‏.‏

وذكرهم المسعوديّ وأنّ لهم سبعة هياكل بأسماء الزّهرة والمرّيخ والمشترى وزحل وغيرهما‏.‏ وذكر أشياء من أحوالهم في زمانه‏.‏

وكذلك ذكرهم الشّهرستانيّ وأطنب في بيان اعتقاداتهم وأحوالهم‏.‏

وذكرهم ابن النّديم في فهرسته، وذكر قراهم وأحوالهم ومعابدهم، ونقل عن المؤلّفين النّصارى أنّهم لم يكن اسمهم الصّابئة، وأنّ المأمون مرّ بديار مضر فتلقّاه النّاس، وفيهم جماعة من الحرنانيين، فأنكر المأمون زيّهم‏.‏ فلمّا علم أنّهم ليسوا يهوداً ولا نصارى ولا مجوساً أنظرهم إلى رجوعه من سفرته، وقال‏:‏ إن أنتم دخلتم في الإسلام، أو في دين من هذه الأديان الّتي ذكرها اللّه في كتابه، وإلاّ أمرت بقتلكم‏.‏ ورحل عنهم إلى أرض الرّوم، وهي رحلته الّتي مات فيها‏.‏ فمنهم من أسلم، ومنهم من تنصّر، وبقي منهم شرذمة على دينهم، احتالوا بأن سمّوا أنفسهم الصّابئة، ليسلموا ويبقوا في الذّمّة‏.‏ وهذا يقتضي أنّ هذه الطّائفة لم يكن اسمهم الصّابئة أوّلاً، وأنّهم تسمّوا بذلك في آخر عهد المأمون‏.‏

وأفاد البيرونيّ‏:‏ أنّ هذه النّحلة هي نحلة فلاسفة اليونانيّين الّتي كانوا عليها قبل النّصرانيّة، وأنّ من فلاسفتها‏:‏ فيثاغورس، وأغاذيمون، وواليس، وهرمس، وكانت لهم هياكل بأسماء الكواكب، وأنّ اليونانيّين، ومن بعدهم الرّومان، كانوا على هذه النّحلة، ثمّ لمّا غلبت النّصرانيّة على بلاد الرّوم واليونان وتنصّر أهل هذه النّحلة، بقي عليها من أهل المشرق بقايا، ولم يكن اسمهم الصّابئة، وإنّما تسمّوا بذلك في عصر المأمون سنة 228 هـ وهم ليسوا من الصّابئة في الحقيقة، بل حقيقة الصّابئة هم الفرقة الثّانية‏.‏

ب - والفرقة الثّانية‏:‏ هم طائفة من أهل الكتاب لهم شبه بالنّصارى‏.‏

قال الجصّاص‏:‏ وهؤلاء بنواحي كسكر والبطائح - من أرض العراق - وهم مع كونهم من النّصارى إلاّ أنّهم مخالفون لهم في كثير من ديانتهم، لأنّ النّصارى فرق كثيرة، منهم‏:‏ المرقونيّون، والآريوسيّة، والمارونيّة‏.‏ والفرق الثّلاث من النّسطوريّة، والملكيّة، واليعقوبيّة يبرؤون منهم ويجرّمونهم‏.‏ وهم ينتمون إلى يحيى وشيث‏.‏ قال‏:‏ والنّصارى تسمّيهم يوحانسيّة‏.‏ أ هـ‏.‏

قال الجصّاص‏:‏ فمذهب أبي حنيفة في جعله الصّابئة من أهل الكتاب محمول على هؤلاء‏.‏

وأمّا البيرونيّ فيرى‏:‏ أنّ هذه الفرقة الثّانية أصلها اليهود الّذين أسرهم بختنصّر، وأجلاهم من أرض فلسطين إلى بابل من أرض العراق، فلمّا أذن لهم كورش بالعودة إلى فلسطين تخلّف بالعراق منهم طائفة وآثروا الإقامة في بابل، ولم يكونوا في دينهم بمكان معتمد، فسمعوا أقاويل المجوس وصبوا إلى بعضها، فامتزج مذهبهم من المجوسيّة واليهوديّة‏.‏ قال‏:‏ وهؤلاء هم الصّابئون بالحقيقة، وإن كان الاسم أشهر بالفرقة الأولى، وكذا ميّز بين الفرقتين الرّمليّ من الشّافعيّة، وابن تيميّة من الحنابلة، وابن القيّم، وقال ابن الهمام‏:‏ قيل في الصّابئة الطّائفتان، وهذه الفرقة الثّانية الّتي قال البعض إنّهم من النّصارى يسمّون ‏"‏ المندائيّين ‏"‏ ومنهم الآن بقايا في جنوب العراق، وقد صدرت عنهم دراسات حديثة كشفت بعض ما عندهم، ومنها ما كتبه بعض كتّابهم، وبعض من يعايشهم من المسلمين، وترجمت بعض كتاباتهم الدّينيّة إلى اللّغة العربيّة، وفيها‏:‏ أنّهم يؤمنون باللّه واليوم الآخر، وبالملائكة، وببعض الأنبياء، منهم‏:‏ آدم، وشيث، ونوح، وزكريّا، ويحيى - عليهم السلام - ولا يؤمنون بموسى، ولا بالمسيح، ولا التّوراة، ولا الإنجيل، ويؤمنون بالتّعميد‏.‏ ولهم عبادات يعبدون اللّه بها‏:‏ من صلوات، وزكاة، وصوم، وأعياد دينيّة، ويغتسلون كلّ يوم مرّتين، أو ثلاثاً، ولذلك قد يسمّون المغتسلة، ويسمّون اللّه على الذّبائح‏.‏

وأضاف ابن تيميّة فرقةً ثالثةً، كانت قبل التّوراة والإنجيل، كانوا موحّدين، قال‏:‏ فهؤلاء هم الّذين أثنى اللّه تعالى عليهم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ قال‏:‏ فهؤلاء كالمتّبعين لملّة إبراهيم - عليه السلام - إمام الحنفاء قبل نزول التّوراة والإنجيل، هم الّذين أثنى عليهم اللّه تعالى‏.‏

على أنّ هذا التّقسيم للصّابئة إلى فرقتين، ودعوى أنّ الحرّانيّين المشركين لم يكونوا يتسمّون الصّابئة حتّى كان عهد المأمون، دعوى هي موضوع شكّ - وإن درج عليها بعض المؤرّخين وبعض الفقهاء - فإنّ كتب الحنفيّة، تنسب إلى أبي حنيفة‏:‏ أنّ الصّابئة الّذين يعظّمون الكواكب السّبعة ليسوا مشركين، بل هم أهل الكتاب، لأنّهم لا يعبدون تلك الكواكب، بل يعظّمونها كتعظيم المسلمين الكعبة، وأنّ صاحبيه قالا‏:‏ بل هم كعبّاد الأوثان وأبو حنيفة كان قبل المأمون فإنّه توفّي سنة 150 والمأمون سنة 218 هـ‏.‏ وكلامه وكلام صاحبيه منصبّ على الحرّانيّين، فإنّهم هم الّذين كانوا يعبدون الكواكب السّبعة، ممّا يدلّ على أنّهم كانوا في زمانه مسمّين باسم الصّابئة‏.‏ ونصوص المؤرّخين مضطربة، بعضها يدلّ على أنّهم فرقتان، وبعضها على أنّهم فرقة واحدة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالصّابئة

6 - ينطبق على الصّابئة الأحكام الّتي تنطبق على الكفّار عامّةً‏:‏ كتحريم نكاح الصّابئ للمسلمة، وكعدم صحّة العبادة منهم، وعدم إقامتهم في جزيرة العرب‏.‏

وأمّا الأحكام الّتي تختصّ بأهل الكتاب‏:‏ كجواز عقد الذّمّة لهم، وأن يتزوّج المسلم من نسائهم، وأن يأكل من ذبائحهم، فقد اختلف الفقهاء في إجرائها عليهم تبعاً لاختلافهم في حقيقة دينهم، فمن اعتبرهم من أهل الكتاب، أو لهم شبهة كتاب‏:‏ أجرى عليهم الأحكام الّتي تختصّ بالكتابيّ، أو من له شبهة كتاب‏.‏

ومن اعتبرهم من غير أهل الكتاب، وليس لهم شبهة كتاب‏:‏ أجرى عليهم الأحكام الّتي تنطبق على المشركين‏.‏

وتفصيل ذلك في المصطلحات‏:‏ ‏(‏أهل الكتاب، أرض العرب، جزية‏)‏‏.‏

إقرار الصّابئة في بلاد الإسلام وضرب الجزية عليهم‏:‏

7 - أمّا جزيرة العرب‏:‏ فلا يجوز إقرار الصّابئين فيها، كسائر الكفّار من المشركين وأهل الكتاب، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لأخرجن اليهود والنّصارى من جزيرة العرب، حتّى لا أدع إلاّ مسلماً «‏.‏

وحديث عائشة‏:‏ آخر ما عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا يترك في جزيرة العرب دينان « وفي المراد بجزيرة العرب خلاف، وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏أرض العرب‏)‏‏.‏

وأمّا في خارج الجزيرة العربيّة من سائر بلاد الإسلام‏:‏ فقد اختلف في إقرار الصّابئة فيها على أقوال‏:‏

فذهب أبو حنيفة إلى جواز إقرارهم فيها، وأخذ الجزية منهم بناءً على أنّهم نصارى، وأنّ تعظيمهم للكواكب ليس من باب العبادة لها‏.‏

وقال صاحباه‏:‏ لا تؤخذ منهم الجزية لأنّهم يعبدون الكواكب كعبادة المشركين للأصنام‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ بجواز إقرارهم كذلك بناءً منهم على أنّ الجزية يجوز أن تضرب على كلّ كافر، كتابيّاً كان أو غير كتابيّ‏.‏

وذهب الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّ الصّابئة يجوز أن تعقد لهم الذّمّة بالجزية، على القول بأنّهم من النّصارى، إن وافقوهم في أصل دينهم، ولو خالفوهم في فروعه، ولم تكفّرهم النّصارى‏.‏ أمّا إن كفّرتهم اليهود والنّصارى لمخالفتهم في الفروع، فقد قيل‏:‏ يجوز أن يقرّوا بالجزية وإن لم تجز مناكحتهم، لأنّ مبنى تحريم النّكاح، الاحتياط، بخلاف الجزية‏.‏

وهذا التّردّد عند الشّافعيّة، إنّما هو في الصّابئة المشابهة للنّصارى - وهم المسمّون المندائيّين-، أمّا الصّابئة عبّاد الكواكب‏:‏ فقد جزم الرّمليّ بأنّ الخلاف لا يجري فيهم، وأنّهم لا يقرّون ببلاد الإسلام‏.‏ قال‏:‏ ولذلك أفتى الإصطخريّ والمحامليّ - الخليفة القاهر - بقتلهم، لمّا استفتى فيهم الفقهاء، فبذلوا له مالاً كثيراً فتركهم‏.‏

والمعتمد عند الحنابلة‏:‏ أنّ الجزية تؤخذ منهم، لنصّ أحمد على أنّهم جنس من النّصارى‏:‏ وروي عنه‏:‏ أنّهم جنس من اليهود، قالوا‏:‏ وروي عنه‏:‏ أنّهم يقولون‏:‏ إنّ الفلك حيّ ناطق، وإنّ الكواكب السّبعة آلهة فهم كعبدة الأوثان، أي‏:‏ فلا تؤخذ منهم‏.‏

ورجّح ابن القيّم القول الأوّل، قال‏:‏ هذه الأمّة - يعني الصّابئة - فيهم‏:‏ المؤمن باللّه وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر، وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دين الرّسل ما وافق عقولهم، واستحسنوه فدانوا به ورضوه لأنفسهم، وعقد أمرهم أنّهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشّرائع بزعمهم، ولا يتعصّبون لملّة على ملّة، والملل عندهم نواميس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضهم بعضاً، بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النّفوس، وتتهذّب به الأخلاق‏.‏ قال‏:‏ وبالجملة فالصّابئة أحسن حالاً من المجوس‏.‏ فأخذ الجزية من المجوس تنبيه على أخذها من الصّابئة بطريق الأولى، فإنّ المجوس من أخبث الأمم ديناً ومذهباً، ولا يتمسّكون بكتاب ولا ينتمون إلى ملّة، فشرك الصّابئة إن لم يكن أخفّ منه فليس بأعظم منه‏.‏ ا هـ‏.‏

دية الصّابئ

8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ دية الذّمّيّ، كدية المسلم سواء، ويدخل في ذلك الصّابئة إن كانوا أهل ذمّة‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ دية الصّابئ كدية النّصرانيّ، ومقدارها ثلث دية المسلم، وهذا إن وافق الصّابئ النّصارى في أصل دينهم ولو خالفه في الفروع، ما لم يكفّره النّصارى‏.‏

ولم يصرّح الحنابلة بحكمهم في مقدار الدّية، لكنّ مقتضى الرّواية الّتي ذهبت إلى أنّهم من أهل الكتاب أن تكون دية الصّابئ نصف دية المسلم، وفي رواية‏:‏ الثّلث‏.‏

وعلى الرّواية الّتي ذهبت إلى أنّهم ليسوا من أهل الكتاب‏:‏ أن تكون ديته ثمانمائة درهم‏.‏

أمّا المالكيّة فلم نجد لديهم التّصريح بمقدار ديات الصّابئة، وحيث إنّهم لم يجعلوهم كالنّصارى في الذّبائح ونحوها، فلذا يظهر أنّ دياتهم كدية المجوس، وهي عند المالكيّة ثمانمائة درهم للرّجل، وأربعمائة درهم للمرأة‏.‏

حكم ذبائح الصّابئة، وحكم تزوّج نسائهم

9 - ذهب أبو حنيفة إلى أنّه‏:‏ للمسلم أن يأكل من ذبائح الصّابئة، وأن يتزوّج من نسائهم، بناءً على أنّهم لا يعبدون الكواكب، وإنّما يعظّمونها كتعظيم المسلمين للكعبة‏.‏

وقال صاحباه‏:‏ هم من الزّنادقة والمشركين، فلا تحلّ نساؤهم ولا ذبائحهم‏.‏

قال ابن الهمام‏:‏ الخلاف بينهم مبنيّ على القول بحقيقة أمرهم، فلو اتّفق على تفسيرهم اتّفق الحكم فيهم‏.‏

وذهب المالكيّة إلى تحريم ذبائح الصّابئة لشدّة مخالفتهم للنّصارى‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن خالف الصّابئة النّصارى في أصل دينهم - أي الإيمان بعيسى والإنجيل - حرمت ذبائحهم ونساؤهم على المسلمين، أمّا إن لم يخالفوهم في ذلك فلا تحرم ذبائحهم ونساؤهم علينا، ما لم تكفّرهم النّصارى، فإن كفّرهم النّصارى حرمت نساؤهم وذبائحهم، كما يحرم على المسلم ذبيحة المبتدع إن كانت بدعته مكفّرةً‏.‏

وهذا الحكم المتردّد فيه هو غير الصّابئة عبّاد الكواكب، وهم الحرّانيّة، فإنّ هؤلاء مجزوم بكفرهم، فلا تحلّ مناكحتهم ولا ذبائحهم قولاً واحداً، ولا يجري فيهم الخلاف المتقدّم‏.‏

وفي رواية عند الحنابلة‏:‏ الصّابئة من اليهود، وفي أخرى‏:‏ هم من النّصارى‏.‏ فعلى هاتين الرّوايتين‏:‏ يجوز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم‏.‏ وفي رواية ثالثة‏:‏ أنّهم يعبدون الكواكب، فهم كعبدة الأوثان‏.‏

وقف الصّابئة

10 - قال ابن الهمام‏:‏ الصّابئة إن كانوا دهريّةً أي‏:‏ يقولون‏:‏ ‏{‏مَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ‏}‏ فهم صنف من الزّنادقة، وإن كانوا يقولون‏:‏ بقول أهل الكتاب صحّ من أوقافهم ما يصحّ من أوقاف أهل الذّمّة، والّذي يصحّ من ذلك أن يكون قربةً عندنا وعندهم فيصحّ على الفقراء لا على بيَعِهم مثلاً‏.‏

صَابُون

التّعريف

1 - الصّابون‏:‏ هو الّذي يغسل به الثّياب معروف‏.‏

ونقل عن ابن دريد وغيره‏:‏ أنّه ليس من كلام العرب وهو مركّب من أحماض دهنيّة وبعض القلويّات، وتستعمل رغوته في التّنظيف والغسل‏.‏

ما يتعلّق بالصّابون من أحكام

أوّلاً‏:‏ استعمال الصّابون المعمول من زيت نجس

2 - يرى الحنفيّة في القول المختار عندهم‏:‏ أنّ الصّابون المصنوع من الزّيت النّجس أو المتنجّس طاهر، فيجوز استعماله والمعاملة به، قال في الدّرّ‏:‏ ويطهر زيت تنجّس بجعله صابوناً، به يفتى للبلوى، كتنّور رشّ بماء نجس لا بأس بالخبز فيه، وكطين تنجّس فجعل منه كوز بعد جعله على النّار، وقال ابن عابدين‏:‏ هذه المسألة قد فرّعوها على قول محمّد، وعليه الفتوى للبلوى، واختاره أكثر المشايخ خلافاً لأبي يوسف‏.‏

والعلّة عند محمّد هي التّغيّر وانقلاب الحقيقة، ومقتضاه عدم اختصاص ذلك الحكم بالصّابون، فيدخل فيه كلّ ما كان فيه تغيّر وانقلاب حقيقة ومثله ما في الفتح لابن الهمام‏.‏

وأجاز الشّافعيّة كذلك الانتفاع بالصّابون المعمول من زيت نجس، لكنّهم لم يصرّحوا بطهارته، فقد جاء في أسنى المطالب نقلاً عن المجموع‏:‏ يجوز اتّخاذ الصّابون من الزّيت النّجس قال الرّمليّ‏:‏ ويجوز استعماله في بدنه وثوبه، كما صرّحوا بذلك‏.‏

ثمّ قال‏:‏ ثمّ يطهّرهما ويفهم منه‏:‏ أنّه ما زال نجساً، وذلك لأنّ الأصل عندهم أنّه لا يطهر من نجس العين إلاّ شيئان‏:‏ خمر تخلّلت، وجلد نجس بالموت إذا دبغ‏.‏

أمّا المالكيّة‏:‏ فقد فرّقوا بين النّجس والمتنجّس فقالوا‏:‏ بجواز الانتفاع بمتنجّس، لا بنجس في غير مسجد وأكل آدميّ، فيستصبح عندهم بالزّيت المتنجّس في غير المسجد، ويعمل منه الصّابون، وينتفع به في سائر وجوه الانتفاع‏.‏

والظّاهر من كلامهم‏:‏ عدم جواز الانتفاع بالصّابون المعمول من النّجس كشحم الميتة، وإن صرّح بعضهم بجواز الاستصباح بشحم الميتة إذا تحفّظ منه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا تطهر نجاسة باستحالة ولا بنار، فالصّابون المعمول من زيت نجس نجس، ودخان النّجاسة وغبارها نجس‏.‏ وهذا ظاهر المذهب عندهم‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ويستخرج أن تطهر النّجاسات بالاستحالة قياساً على الخمر إذا انقلبت، وجلود الميتة إذا دبغت‏.‏

ثانياً‏:‏ الوضوء بماء الصّابون

3 - ذهب الحنفيّة‏:‏ إلى أنّ ماء الصّابون إذا ذهبت رقّته وصار ثخيناً لا يجوز التّوضّؤ به، وإذا بقيت رقّته ولطافته جاز قال ابن الهمام في تعليل الجواز‏:‏ المخالط المغلوب لا يسلب الإطلاق، فوجب ترتيب حكم المطلق على الماء الّذي هو كذلك، أي‏:‏ جواز الوضوء به‏.‏

وقد » اغتسل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من قصعة فيها أثر العجين «، والماء بذلك يتغيّر، ولم يعتبر المغلوبيّة‏.‏

والأصل عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه إذا اختلط بالماء شيء يمكن حفظه منه - غير التّراب والملح - كالزّعفران، والتّمر، والدّقيق، فتغيّر أحد أوصافه، فإنّه لا يجوز الوضوء به، لأنّه زال عنه إطلاق اسم الماء‏.‏ لكنّهم ذكروا في صفة التّغيّر‏:‏ أنّه إن كان يسيراً، بأن وقع فيه قليل من زعفران، فاصفرّ قليلاً أو صابون أو دقيق فابيضّ قليلاً، بحيث لا يضاف إليه فوجهان‏:‏ الصّحيح منهما‏:‏ أنّه طهور لبقاء اسم الماء، قال النّوويّ‏:‏ وهو المختار‏.‏

ومثله ما عند الحنابلة حيث قالوا‏:‏ وما سقط في الماء من الباقلاّ، والحمّص، والورد، والزّعفران وغيره من الطّاهرات، وكان يسيراً، فلم يوجد له طعم ولا لون ولا رائحة كثيرة حتّى ينسب الماء إليه توضّأ به‏.‏

وهذا إذا كان الصّابون معمولاً من زيت طاهر‏.‏ أمّا إذا كان مصنوعاً من غير طاهر، فكذلك الحكم عند من يقول بطهارته كالحنفيّة ومن معهم، أمّا من يقول‏:‏ إنّ النّجس لا يطهر باستحالته فلا يجوز التّوضّؤ به‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ ف 2‏)‏‏.‏

والظّاهر عند المالكيّة‏:‏ أنّهم لا يجوّزون التّوضّؤ بماء الصّابون مطلقاً، سواء كان طاهراً أو نجساً‏.‏ حيث قالوا‏:‏ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه شيء طاهر، فذلك الماء طاهر في نفسه غير مطهّر لغيره، فلا يتوضّأ به، ويستعمل في العادات‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏طهارة ومياه‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ استعمال المحرم للصّابون

4 - صرّح الحنفيّة‏:‏ بأنّه لا بأس باستعمال المحرم الصّابون، قال ابن عابدين نقلاً عن الفتح‏:‏ لو غسل بالصّابون والحرض لا رواية فيه، وقالوا‏:‏ لا شيء فيه، لأنّه ليس بطيب ولا يقتل - أي الهوامّ - ثمّ قال‏:‏ ومقتضى التّعليل عدم وجوب الدّم والصّدقة اتّفاقاً، ولذا قال في الظّهيريّة‏:‏ وأجمعوا أنّه لا شيء عليه‏.‏

وهذا هو المفهوم من كلام سائر الفقهاء في الصّابون العاديّ، الّذي لا يعتبر طيباً، لأنّ المحرم إنّما يمنع من استعمال الطّيب، ولم نجد لهم نصّاً في الموضوع‏.‏

وينظر في مصطلحي‏:‏ ‏(‏تطيّب وإحرام‏)‏‏.‏

صَاع

التّعريف

1 - الصّاع والصّواع - بالكسر وبالضّمّ - لغةً‏:‏ مكيال يكال به، وهو أربعة أمداد‏.‏

وقال الدّاوديّ‏:‏ معياره لا يختلف أربع حفنات بكفّي الرّجل الّذي ليس بعظيم الكفّين ولا صغيرها‏.‏ وقيل‏:‏ هو إناء يشرب فيه‏.‏

ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المدّ‏:‏

2 - المُدّ بالضّمّ‏:‏ كيل، وهو رطلان عند أهل العراق، ورطل وثلث عند أهل الحجاز‏.‏

وقال الفيروز آبادي‏:‏ قيل‏:‏ المدّ هو ملء كفّي الإنسان المتوسّط إذا ملأهما ومدّ يده بهما، وبه سمّي مدّاً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ اتّفق الفقهاء على أنّ المدّ يساوي ربع الصّاع، فالمدّ من أجزاء الصّاع، كما اتّفقوا على أنّ المدّ والصّاع من وحدات الأكيال الّتي تعلّقت بها كثير من الأحكام الفقهيّة المشهورة‏.‏

ب - الوسق‏:‏

3 - الوَسق والوِسق‏:‏ مكيلة معلومة، وهو ستّون صاعاً بصاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فالوسق على هذا الحساب مائة وستّون منّاً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

ج - المنّ‏:‏

4 - المنّ بالفتح والتّشديد معيار قديم، كان يكال به أو يوزن، وقدره إذ ذاك رطلان بغداديّان، ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

د - الفرق‏:‏

5 - الفرق بفتحتين أو بسكون الرّاء‏:‏ مكيال معروف بالمدينة وهو ستّة عشر رطلاً، والجمع فرقان‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال أبو عبيد‏:‏ لا اختلاف بين النّاس أعلمه في ذلك أنّ الفرق ثلاثة آصع، وهي ستّة عشر رطلاً

هـ – الرّطل‏:‏

6 – الرّطل‏:‏ معيار يوزن به، وهو بالبغداديّ اثنتا عشرة أوقيّةً، فيساوي مثقالاً‏.‏

قال الرّافعيّ‏:‏ قال الفقهاء‏:‏ وإذا أطلق الرّطل في الفروع، فالمراد به رطل بغداديّ، والرّطل مكيال أيضاً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالصّاع

مقدار الصّاع

7 - اختلف الفقهاء في مقدار الصّاع، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّاع‏:‏ خمسة أرطال وثلث بالعراقيّ، لما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لكعب بن عجرة‏:‏ » تصدّق بفرق بين ستّة مساكين « قال أبو عبيد‏:‏ ولا اختلاف بين النّاس أعلمه في أنّ الفرق ثلاثة آصع، والفرق ستّة عشر رطلاً، فثبت أنّ الصّاع خمسة أرطال وثلث‏.‏

وروي‏:‏ أنّ أبا يوسف حينما دخل المدينة سألهم عن الصّاع، فقالوا‏:‏ خمسة أرطال وثلث، فطالبهم بالحجّة فقالوا‏:‏ غداً، فجاء من الغد سبعون شيخاً كلّ واحد منهم أخذ صاعاً تحت ردائه فقال‏:‏ صاعي ورثته عن أبي، وورثه أبي عن جدّي، حتّى انتهوا به إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

والرّطل العراقيّ عندهم‏:‏ مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ الصّاع ثمانية أرطال لأنّ أنس بن مالك قال‏:‏ » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضّأ بالمدّ وهو رطلان، ويغتسل بالصّاع «، فعلم من حديث أنس‏:‏ أنّ مقدار المدّ رطلان‏.‏ فإذا ثبت أنّ المدّ رطلان‏:‏ يلزم أن يكون صاع رسول اللّه أربعة أمداد، وهي ثمانية أرطال لأنّ المدّ ربع صاع باتّفاق‏.‏

والرّطل العراقيّ عند أبي حنيفة‏:‏ عشرون أستاراً، والأستار‏:‏ ستّة دراهم ونصف

الاغتسال بالصّاع

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ الاغتسال بالصّاع مجزئ، إذا حصل الإسباغ‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ليس في حصول الإجزاء في المدّ في الوضوء، والصّاع في الغسل خلاف نعلمه فإن أسبغ بدون الصّاع في الغسل أجزأه ذلك، لأنّ اللّه تعالى أمر بالغسل وقد فعله‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إلى أنّ‏:‏ الاغتسال بالصّاع سنّة، قال الشّافعيّة‏:‏ يسنّ أن لا ينقص ماء الغسل عن صاع تقريباً، وهو أربعة أمداد فيمن اعتدل جسده، لأنّه صلى الله عليه وسلم كان يوضّؤه المدّ، ويغسّله الصّاع‏.‏

أمّا من لم يعتدل جسده فيختلف زيادةً ونقصاً‏.‏

فعن أنس - رضي الله عنه -‏:‏ » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يغسّل - أو كان يغتسل - بالصّاع إلى خمسة أمداد، ويتوضّأ بالمدّ «‏.‏

وورد‏:‏ » أنّ قوماً سألوا جابراً عن الغسل، فقال‏:‏ يكفيك صاع، فقال رجل‏:‏ ما يكفيني‏.‏ فقال جابر‏:‏ كان يكفي من هو أوفى شعراً منك وخير منك، يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم «‏.‏

ولم ينصّ الحنفيّة والمالكيّة على سنّيّة الاغتسال بالصّاع‏.‏

صدقة الفطر

9 - اختلف الفقهاء في تقدير صدقة الفطر بالصّاع، فقال جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إنّ الواجب في صدقة الفطر - عن كلّ إنسان - صاع من البرّ أو الشّعير أو دقيقهما أو التّمر، أو الزّبيب، فهم يرون عدم التّفريق بين جميع الأصناف الّتي يخرج منها زكاة الفطر، لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما -‏:‏ » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على النّاس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على كلّ حرّ وعبد، ذكر وأنثى من المسلمين «‏.‏

ولما روى أبو سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - قال‏:‏ » كنّا نخرج إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، عن كلّ صغير وكبير، حرّ أو مملوك صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب «‏.‏

وقد نقل عن أبي الفرج الدّارميّ والبندنيجيّ‏:‏ أنّ الواجب إخراج صاع معاير بالصّاع الّذي كان يخرج به زمن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وذلك الصّاع موجود، ومن لم يجده وجب عليه الاستظهار بأن يخرج ما يتيقّن أنّه لا ينقصه عنه‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ الواجب في صدقة الفطر نصف صاع من حنطة وسويقه، أو صاع من شعير أو تمر، لما روى ثعلبة بن صعير العذريّ أنّه قال‏:‏ خطبنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ » أدّوا عن كلّ حرّ وعبد نصف صاع من برّ أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير «‏.‏ وهو ما ذهب إليه سعيد بن المسيّب، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزّبير، وسعيد بن جبير‏.‏

وذكر الشّيخ أبو منصور الماتريديّ‏:‏ أنّ عشرةً من الصّحابة - رضي الله عنهم - منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ - رضي الله عنهم - رووا عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر نصف صاع من برّ، واحتجّ بروايتهم‏.‏

واختلفت الرّواية عن أبي حنيفة في الزّبيب، فذكر في الجامع الصّغير‏:‏ نصف صاع، لأنّ قيمة الزّبيب تزيد عن قيمة الحنطة في العادة، ثمّ اكتفى من الحنطة بنصف صاع، فمن الزّبيب أولى‏.‏ وروى الحسن، وأسد بن عمرو، عن أبي حنيفة‏:‏ صاعاً من زبيب، وهو قول أبي يوسف ومحمّد، ووجه هذه الرّواية ما روي عن أبي سعيد الخدريّ أنّه قال‏:‏ » كنّا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب «‏.‏

ولأنّ الزّبيب لا يكون مثل الحنطة في التّغذّي، بل يكون أنقص منها، كالشّعير والتّمر، فكان التّقدير فيه بالصّاع، كما في الشّعير والتّمر‏.‏

ويجوز عند الحنفيّة‏:‏ أداء صدقة الفطر في الفطرة الواحدة من جنسين أو أكثر، فلو أدّى نصف صاع شعير، ونصف صاع تمر، أو نصف صاع شعير وربع صاع من حنطة جاز‏.‏

وهناك خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة الفطر‏)‏‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يجزئ في الفطرة الواحدة صاع من جنسين، سواء كان الجنسان متماثلين أو أحدهما ممّا يجب والآخر أعلى منه، كما لا يجزئ في كفّارة اليمين أن يكسو خمسةً ويطعم خمسةً، لأنّه مأمور بصاع برّ، أو شعير، أو غيرهما‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لو جمع صاعاً من التّمر، والزّبيب، والبرّ، والشّعير، والأقط، وأخرجه أجزأه كما لو كان خالصاً من أحدهما‏.‏

ولم نعثر للمالكيّة على نصّ في ذلك‏.‏

صبْح

انظر‏:‏ الصّلوات الخمس المفروضة، وأوقات الصّلاة‏.‏

صُبْرَة

التّعريف

1 - الصُّبرة في اللّغة‏:‏ الكومة من طعام أو غيره، جمعها صُبَر، كغرفة وغرف، يقال‏:‏ صبرت المتاع‏:‏ إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض‏.‏ وقيل‏:‏ هي الكومة من الطّعام خاصّةً، سواء أكانت مجهولة الكيل أو الوزن أم معلومتهما، وقيل‏:‏ ما جمع من الطّعام بلا كيل ولا وزن‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال سليمان الجمل‏:‏ أطلقها الفقهاء على كلّ متماثل الأجزاء‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - الجزاف - مثلّث الجيم - وهو بيع ما يكال، أو يوزن، أو يعدّ جملةً بلا كيل، ولا وزن، ولا عدّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالصّبرة

بيع الصّبرة جزافًا

3 - يصحّ بيع الصّبرة جزافاً وإن كانت مجهولة الكيل أو الوزن‏.‏ فإن قال‏:‏ بعتك هذه الصّبرة من الحنطة جاز، وإن لم يعرف صيعانها، لأنّ غرر الجهالة ينتفي بالمشاهدة‏.‏

كما يجوز بيع صاع من صبرة وبيع صبرة‏:‏ كلّ صاع بدرهم، وأراد في الصّورة الثّانية شراء جميعها، سواء أكانت معلومة الصّيعان أم لا، لأنّها إن كانت معلومة الصّيعان كانت معلومة الجملة والتّفصيل‏.‏ وإن كانت مجهولة الصّيعان كانت مجهولة الجملة، معلومة التّفصيل، وجهل الجملة وحده لا يضرّ‏.‏

وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة‏:‏ إن باع صبرةً‏:‏ كلّ صاع بدرهم صحّ في صاع، قال‏:‏ لأنّ الثّمن مجهول وذلك مفسد للعقد، غير أنّ الأقلّ معلوم فيجوز فيه للتّيقّن به، وما عداه مجهول فيفسد، ويثبت له الخيار لتفرّق الصّفقة عليه‏.‏

وقال صاحباه‏:‏ يجوز في الكلّ، لأنّ المبيع معلوم بالإشارة، والمشار إليه لا يحتاج إلى معرفة مقداره لجواز بيعه‏.‏ أمّا إذا كالاه في المجلس جاز بالإجماع لزوال المانع قبل تقرّر الفساد‏.‏

شروط جواز بيع الصّبرة جزافاً

4 - يشترط في جواز بيع الصّبرة جزافاً ما يلي‏:‏

أ - أن لا يغشّ بائع الصّبرة، بأن يجعلها على دكّة أو ربوة، أو يجعل الرّديء منها أو المبلول في باطنها، لحديث‏:‏ » من غشّنا فليس منّا « فإذا وجد ذلك، فإن علم أحد العاقدين ذلك بطل العقد، لمنع ذلك تخمين القدر فيكثر الغرر، هذا إذا لم ير قبل الوضع فيه، فإن رأى الصّبرة قبل الوضع صحّ البيع لحصول التّخمين، وإن جهل كلّ منهما ذلك‏:‏ بأن ظنّ أنّ المحلّ مستو فظهر خلافه خيّر من لحقه النّقص، بين الفسخ، والإمضاء‏.‏

ب - أن تكون متساوية الأجزاء‏.‏ فإن اختلفت أجزاؤها لم يصحّ البيع‏.‏

ج - أن يرى المبيع جزافاً حال العقد، أو قبله إذا استمرّ على حاله إلى وقت العقد دون تغيّر‏.‏

د - أن يجهل المتبايعان معاً قدر الكيل أو الوزن، فإن كان أحدهما يعلم القدر دون الآخر فلا يصحّ‏.‏

هـ – أن تستوي الأرض الّتي يوضع عليها المبيع، فإن لم تكن مستويةً ففيها التّفصيل السّابق‏.‏ ر‏:‏ مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع الجزاف‏)‏‏.‏

بيع الصّبرة إلاّ صاعاً

5 - إن باع الصّبرة إلاّ صاعاً، فإن كانت معلومة الصّيعان صحّ البيع ونزّل على الشّيوع، فإن كانت عشرة آصع كان المبيع تسعة أعشارها‏.‏‏.‏‏.‏ أمّا إن كانت مجهولة الصّيعان فلا يصحّ، لأنّه صلى الله عليه وسلم » نهى عن بيع الثُّنيا «، وزاد التّرمذيّ‏:‏ » إلاّ أن يعلم «‏.‏

ولأنّ المبيع هو‏:‏ ما وراء الصّاع، وهو مجهول لأنّه خالطه أعيان أخرى، ولا يكفي مجرّد التّخمين، بل لا بدّ من إحاطة العيان بجميع جوانب المبيع، وهذا لم يوجد وإن باع نصف الصّبرة المشاهدة، أو ثلثها، أو غير ذلك من أجزائها المعلومة صحّ البيع بلا خلاف‏.‏ وإن قال‏:‏ بعتك بعض هذه الصّبرة، أو نصيباً منها، أو جزءاً منها، ما شئت، ونحو هذا من العبارات الّتي ليس فيها قدر معلوم، فالبيع باطل للغرر‏.‏

بيع صبرة بشرط أن يزيده صاعاً أو ينقصه

6 - إن باع صبرةً‏:‏ كلّ صاع بدرهم على أن يزيده أو ينقصه صاعاً لم يصحّ، لأنّه إن أراد الزّيادة على سبيل الهبة لم يصحّ، لأنّه شرط عقد في عقد‏.‏

وإن أرادها على سبيل البيع لم يصحّ، لأنّه إن كان الصّاع مجهولاً فهو بيع مجهول، وإن كان معلوماً لم يصحّ - أيضاً - إذا كان من صبرة مجهولة الصّيعان، لأنّنا نجهل تفصيل الثّمن وجملته‏.‏

بيع صبرة وذكر جملتها

7 - إذا باع صبرةً وسمّى جملتها، بأن قال‏:‏ بعتك هذه الصّبرة على أنّها مائة قفيز بمائة درهم، ثمّ وجدها ناقصةً، أو زائدةً‏:‏ قال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ لا يصحّ العقد إن زادت على القدر المسمّى أو نقصت منه، لتعذّر الجمع بين جملة الثّمن وتفصيله، فكأنّه قال‏:‏ بعتك قفيزاً وشيئاً لا يعلمان قدره بدرهم لجهلهما كمّيّة قفزانها‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن كانت ناقصةً يأخذ الموجود بحصّته، وإن شاء فسخ العقد لتفرّق الصّفقة وإن زادت على القدر المسمّى فالزّيادة للبائع، لأنّها من المقدّرات فيتعلّق العقد بقدرها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن باعا الصّبرة وحزراها، أو وكّلا من يحزرها - أي يخمّنها - فإن ظهر أنّها كذلك فبها، وإلاّ فالخيار لمن لزمه الضّرر‏.‏

صبغ

انظر‏:‏ اختضاب

صبيّ

انظر‏:‏ صغر

صحابيّ

انظر‏:‏ قول الصّحابيّ